يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ
سورۃ النحل, آية 111
ريم معلّمة مجتهدة وطيّبة القلب تُحبّ طلاّبها وتبذل الكثير من أجلهم. دعاها المدير بصورة مفاجئة إلى جلسة معه. انتاب ريم شعور سيّئ، لأنها لم تكن تعرف سبب دعوة المدير لها. وصلت إلى غرفة المدير، جلست على الكرسيّ صامتة وفي رأسها تدور أفكار كثيرة.
المدير: مرحبًا ريم. سأقول لك مباشرة بلا لفّ ولا دوران، سمعت أنك تُدرّسين بطريقة مختلفة عن الطريقة المُتبعة في المدرسة. وأولياء الأمور يشتكون من ذلك.
ريم: انظر، أنا واعية لما أقوم به.
المدير: لكنك لا تملكين الصلاحية للقيام بما تريدين.
ريم: نعم، أنا على علم بكلّ شيء، وأنا لا أفعل ما أريد. أنا أفحص ما هو مناسب للصف، وهذا ما أفعله.
المدير: اسمعي، أريد أن أدعو المستشارة. إنها تعرف مُتطلبات العمل ولها أقدمية في المدرسة، وأنا أثق بها.
ريم: حسنًا، لا مانع لديّ. بل بالعكس، فأنا أحبّذ استشارة الآخرين، وخصوصًا المستشارة.
توجّه المدير وريم إلى غرفة المستشارة. فرحّبت بهما وكرّمتهما بالجلوس في زاويتها الجميلة المليئة بالكتب والزهور.
المدير: أنا مُحتار بين ما تقوله ريم وما يقوله أولياء الأمور.
المستشارة:احكِ لي من فضلك.
المدير: ريم تدرّس في صفّها بطريقة مختلفة عمّا هو مُتبع. إنها تتبع تفعيل الطلاب في مجموعات، وتتنقل بين المجموعات وتقوم بتوجيهها. وأولياء الأمور يحتجّون على هذه الطريقة.
المستشارة: وماذا تقولين أنت، يا ريم؟
ريم: أنا لم أختَر هذه الطريقة عبثًا، لمجرّد أنني أرغب بذلك. لقد اخترتها لأنني أدركت أنها الطريقة الأكثر ملاءمة لهذا الصف فهي تُثير لدى الطلاب مزيدًا من الاهتمام بالمادّة الدراسيّة.
المستشارة: وماذا ستُقرّر، أيها المدير؟
المدير: أنا لا أعلم، أنا أثق بالمعلّمة وأتماهى معها، لكنّ أولياء الأمور هم، أيضًا، جزء من العمليّة التعليميّة. ولا يُمكنني أن إلا أن آخذ آراءهم بعين الاعتبار.
ريم: لكن في إمكاني أن أوضّح لهم لماذا أقوم بذلك.
المستشارة: إذا كنتَ أنتَ، يا حضرة المدير، مقتنعًا تمامًا بما تقوم به المعلّمة، أعتقد أنّ عليك تحمّل المسؤولية وأن تتمسّك بما تؤمن به.
المدير: نعم، لكنني متخوّف.
ريم: لا شيء يدعو إلى التخوّف. أنا إلى جانبك وأنا على استعداد لأوضّح لأولياء الأمور كلّ شيء.
المستشارة: أرجو أن تسمعاني، أريد أن أتلوَ عليكما آية من القرآن الكريم تناسب الظرف الذي أنتما فيه. إنها الآية 111 من سورة النحل: “يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ“.
المدير: نعم، كما يقول القرآن الكريم، أنا مُلزَم مواجهةَ أولياء الأمور بما أؤمن به. وأنا أؤمن بأن ريم معلّمة ممتازة، دائمة البحث عن أساليب جديدة في التعليم لإثارة اهتمام طلابها. قد يتخوّف أولياء الأمور من كلّ شيءٍ فيه شيءٌ من التجديد. إنهم معتادون على طريقة التعليم المعروفة لهم عندما كانون طلابًا؛ حيث المعلّم يقف في وسط الغرفة وعلى الجميع أن يُصغي له. ولكن بالتوزيع إلى مجموعات يكون في مقدور عدد أكبر من الطلاب أن يُشاركوا وأن يُعبّروا عن رأيهم، وإذا تمّ ذلك بالصورة الصحيحة تكون هذه طريقة مُنشِّطة جدًّا للطلاب. شكرًا لك ريم.
ريم: شكرًا لك، حقًّا.
الكثير من التجديدات الجيّدة والمُنشِّطة تذهب أدراج الرّياح، لأنّ أصحابها يخافون من الإصرار على رأيهم، والتمسّك بما يؤمنون به حقًّا. المدير كان بحاجة إلى الآية القرآنية الكريمة ليقبل أسلوب المعلّمة المختلِف في التدريس، وها هو القرآن الكريم يخبرنا بأنّه في يوم الحِساب كلّ نفس ستُرافِع عن نفسها فقط، وستظلّ مع ما تؤمن به، فقط. وما يؤمن به المدير، الذي ساعده القرآن الكريم على اكتشافه، هو أنه مسموحٌ بل ويجب البحثُ عن أساليب تعليم جديدة، لتكون مادّة التدريس أكثر تشويقًا للطلاب. ولكن من أجل ذلك، يجب عليه أن يواجه ادّعاءات أولياء الأمور من قلق أو خوف، وأن يُوضّح لهم التغيير ومعنى هذا التغيير. من المُستحسن أن يقوم المدير بدعوة أولياء الأمور وأن يفتتح اللقاء معهم بقراءته لهذه الآية من القرآن الكريم. عندها سيكتشف كلّ وليّ أمر في ذاته ما اكتشفه المدير؛ أنه يؤذَن بتجريب أشياء جديدة، خصوصًا إذا كان الفرد منّا مؤمنًا بها.