لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلآئِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّآئِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْوَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاء والضَّرَّاء وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ
سورۃ البقرة, آيۃ 177
تبدأ المعلّمة الدرس الأول كلّ صباح بالقصص. فتختار، أحيانًا، تقرأ للتلاميذ، وأحيانًا أخرى تطلب منهم أن يقرأوا أو أن يحكوا حكاية قصيرة لزملائهم.
عمر ولد خجول ويُحاول، دائمًا، التهرّب من قراءة القصص. وعندما تطلب المعلّمة منه ذلك يرفض. أجرَت المعلّمة معه، مؤخّرًا، عدة محادثات لتشجيعه ومساعدته على التخلّص من خجله. وقد اتفقا على أن يقرأ عمر يوم الثلاثاء قصة أمام الصفّ، حتى إنه صرّح بأنه في هذه المرّة سيفي بما تعهد به.
ولكن كلما اقترب الموعد فكّر عمر مِرارًا وتَكرارًا في ما يُمكنه أن يفعله وكيف يُمكنه التملّص من التزامه. فهل يقول إنه كان مريضا، أو أنه ببساطة يتغيب في ذلك اليوم عن المدرسة… في النهاية، توجّه إلى أمه وسألها: “أمي، ماذا سيجري إذا لم أوفِ بوعدي أو بما تعهدت به للمعلّمة ؟” فأجابته أمه: “اسمع يا بُنيّ، الوفاء بالوعد واجب. وقد جاء في القرآن الكريم: ‘وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ […] أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ’. والآن عليك أن تفكّر وتقرّر بنفسك ماذا يجب أن تفعل”.
ذهب عمر وظلّ يُكرّر ويُحاول حفظ الآية كلّ الوقت. وعندها، في لحظة واحدة، صرخ: “أمي، أنا ذاهب غدًا إلى المدرسة”. وفي صبيحة اليوم التالي ذهب عمر إلى المدرسة وقرأ القصة أمام الصف. وعندما انتهى من قراءتها، صفّق له جميع التلاميذ وقد أعدّت له المعلّمة مفاجأة صغيرة. وعندها توجّه إلى زملائه وقال: “اسمعوا جيّدًا ما سأقوله لكم، وكرّروا ذلك عشر مرّات على الأقلّ: ‘وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ […] أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ’ “.
أن تأخذ على نفسك عهدا أسهل بكثير من أن تفي به. مَن منّا لا يعرف ذلك؟!. من عادة البالغين أن يوقّعوا عقودًا والتوجّه إلى المحكمة إذا ما أخلّ أحد الأطراف بعهده. ولكن لا يُمكن توقيع عقدٍ، دائمًا، وبالتأكيد ليس مع الأولاد. إننا نريد أن نربّي أولادنا على الوفاء بعهودهم والالتزام بوعودهم، لأن المجتمع الذي لا قيمة للكلمة فيه، والذي لا يُمكن فيه الاتكال على الناس، هو مجتمع فوضوي. وفاء الإنسان بوعده، أو تعهداته والتزاماته تجعله إنسانًا أمينًا وصادقا ليس في نظر الناس فحسب بل في نظر نفسه أيضًا. هكذا يُدرك مدى أهمية عدم خداع الآخرين وعدم جعله يتوقع أشياء لن تتحقق. هو يُدرك أنه حتى إذا مُورِس عليه ضغط ليتعهّد، يجب أن يصُدّ هذا الضغط وأن يُفكّر مرّتيْن قبل أن يلتزم بشيء في ما إذا كان بإمكانه وأنه يُريد فعلا الوفاء بوعده. من الأفضل أن تقول "لا" ومواجهة الآخر الآن، من أن تعِد ولا تفيَ. بعد أن تعهّد الإنسان يجب أن يبذل أقصى جَهد للوفاء بعهده. والقرآن الكريم يدعو الناس إلى الوفاء بعهودهم ويعتبر الموفين بعهودهم من المتّقين.