كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ
سورۃ البقرة, آيۃ 216
منى، فتاة لطيفة ومهذّبة، طالبة في الصف الثاني عشر، تعتبر كمَن تملك الإمكانية والقدرة على التقدّم في المستقبل والنجاح في أيّ مجال تختاره. في هذه الفترة تصُبّ كلّ جهودها في دراستها، حيث تصِل الليل بالنهار استعدادًا لامتحانات البجروت (التوجيهيّ). ولكن، قبل أسبوع تقريبًا، تقدّم شابّ والدها وطلب يدها وعندما سئلت عن رأيها وافقت وأعربت عن سعادتها بهذا العرض وأعربت عن استعدادها لإجراء الخطبة في أسرع وقت ممكن. فكّرت منى بينها وبين نفسها ثم أمام والديها: “عمليا ما جدوى أن أنهي دراستي الثانوية؟”. ولكي تدعم رأيها أخذت تذكر لوالديها أسماء بناتٍ أخريات يعرفانِهُنّ توقّفنَ عن الدراسة بعد أن خُطبن. قالت هؤلاء البنات بأنّهنّ لسن بحاجة إلى الدراسة بعد زواجهنّ، وفي فترة تربية أولادهنّ. لذلك طلبت منى أن تترك المدرسة وأن لا تتقدّم لامتحانات البجروت وتتفرغ لتحضير نفسها للزواج.
رفض والدَا منى اقتراح منى، وادّعيا بأنه يجب عليها الآن أن تتفرّغ لامتحانات البجروت ( التوجيهيّ) وأنها لا تزال صغيرة لأن تتزوج وتكون أسرة. كما ادّعيا بأنه يجب على منى أن تتعلم مهْنة تمارسها في الحياة، ليس من باب أن التحصيل العلميّ يُكسبها الاحترام فحسب، بل، لتتمكّن من مساعدة زوجها على إعالة الأسْرة أيضًا. لكنّ منى لم تقتنع. كان من الواضح أنها عاشقة، وكما يقول المثل – الحبّ أعمى. في أعقاب اختلاف وجهات النظر بينها وبين والديها توجّهت منى إلى المستشارة التربوية وشكت لها ضائقتها. طلبت منها المستشارة أن تتكلم مع والديها وأن تُصارحهما بأنها على علاقة حبّ مع هذا الشابّ. وفاجأتها المستشارة عندما أخرجت القرآن الكريم، وفتحته على سورة البقرة وطلبت منها أن تقرأ وتُسمعها الآية 216: “وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ“. هنا صمتت منى. سألتها المُستشارة: “ما رأيك؟”. تردّدت منى لحظة، ثم قالت: “نعم، أنا أدرك أنه من المهمّ لي أن أتعلم وأن ذلك سينفعني في المستقبل. وهذا ما سأقوم به فعلا مع أنّه من الصعب عليّ جدًّا أن أتنازل عن حبّي. وأنا متأكدة من أن الله لن يُضيّعني وسيعوّضني عنه في المستقبل. لكن في ذلك الوقت سأكون قد اكتسبت مهْنة أزاولها”.
ما من شكّ في أنّ سنّ المراهقة هي سن صعبة. ففي هذه الفترة القصيرة يتمّ اتخاذ القرارات المصيرية التي من شأنها، في أحيان كثيرة، أن تُقرّر مصير الشخص طوال حياته. ماذا سيتعلّم؟ وبمَن سيتزوّج؟ وعندما تجتمع هذه القرارات المهمّة كلها في وقت واحد، فإنَّ الأمر يكون أصعب أضعافا مضاعفة. منى تسرح بخيالها، فهي من الآن ترى نفسها صاحبة بيت سعيدة تربي أولادها. فقد كان ذلك حلم حياتها. هل سيكون في إمكانها أن تقدّر، في هذه المرحلة، أيضًا، أعمالاً "مُملّة" جدًّا مثل الدراسة؟ هل بإمكانها أن تدرك في هذه الفترة أن اكتساب مهْنة في هذه الحياة أهمّ بكثير من أيّ شيء آخر؟ وإذا تطلقت من زوجها، أو إذا تُوفيّ زوجها، لا سمحَ الله، وإذا اضطرت، ببساطة، أن تعمل لأن زوجها يجد صعوبة في إعالة أسْرته لوحده، صعب على منى أن تُفكّر في ذلك في هذه السن المبكرة وبالذات وهي غارقة في قصة حبّ. حسنًا فعل والداها عندما قاما بتوجيهها، ولم يسمحا لها أن تقع في أخطاء سيصعُب عليها تصحيحها بعد ذلك. نعم، عندما تتزوّج منى وتُنجب أولادًا ستجد صعوبة أكبر في الدراسة. وكما يقول المثل: مالِك صَنعة مالِك قلعة؛ بإمكان منى أن تملك قلعة بشرط أن تكون صاحبة مهْنة تستطيع مزاولتها.