كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ
سورۃ البقرة, آيۃ 216
في إحدى المدارس الثانوية مجموعة من الطلاب تربطهم علاقة وطيدة جدًّا، هؤلاء طلاب غِلاظ أفظاظ يُشاغبون كلّ الوقت. لا يحترمون أحدًا، ويحاولون، دائمًا، التحكّم بالأولاد الضعفاء وخاصة الأصغر منهم سنًّا. إنهم يكرهون الدراسة، ولا يحضرون إلى المدرسة إلاّ لتضييع الوقت. وفي المدّة الأخيرة بدؤوا يصبغون شعورهم، ويرتدون بنطالونات ممزّقة كما بدؤوا يُدخّنون. حاول المعلّمون التحدّث إليهم، لكن من دون طائل. إنهم لا يقتنعون بأن سلوكهم سيّء وغير مقبول، ويبدو أنهم راضون جدًّا عن أفعالهم.
وبعد مشاورات أجريت في وزارة التربية والتعليم، تقرّر استخدام القرآن الكريم من أجل مساعدتهم على أن يعودوا إلى رُشدِهم. قيل لهؤلاء الشبّان إنهم إذا كانوا يريدون المحافظة على بقائهم في المدرسة فعليهم المشاركة على الأقلّ في دروس الدين، حيث. سيقرؤون القرآن الكريم معًا وسيُناقشون ما وردت فيه من أوامر ونواهٍ. اختار المدير الآية 216 من سورة البقرة كمقدمة لحديثه في أول درس: “وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ”. وعندما فرَغ المدير من قراءة الآية الكريمة، ساد هدوء تامّ. وعندها توجّه المدير إلى الطلاب وسألهم ما الذي فهموه من هذه الآية. كانت هذه هي المرّة الأولى، منذ زمن بعيد، التي يوافق فيها الطلاب على أن يكونوا حاضرين في الدرس لا بل ويشاركون فيه بشكل فعال. وفي الدروس اللاحقة ضمّ المدير إلى هذه الدروس ممثلين عن أولياء أمور هؤلاء الشبّان وعددا من رجال الدين الأفاضل، أيضًا. وبعد ستة لقاءات تقريبًا كهذه، صرّح بعض المعلّمين بأنه، ببساطة، لم يعُد من المُمكن معرفة هؤلاء الطلاب؛ فقد تغيّر سلوكهم على نحو عجيب. ولم يتبقّ للجميع إلاّ أن يتأمّلوا بأن لا يكون هذا التغيّر لأمدٍ قصير، وقد تقرّر الاستمرار في دروس الدين من أجل المحافظة على هذا الإنجاز.
إحدى المسائل الصعبة في التربية هي إعادة مجموعة من الشبّان المراهقين المُستهينين بالجميع والذين يقومون بكلّ ما يحلو لهم، إلى رُشدهم. يبدو أنه مُذ خرج العفريتُ من القُمقُم، أدرك هؤلاء الشبّان أنه بإمكانهم التمرّد، وأن أحدًا لن يقف في طريقهم، وأنه لم يعُد من المُمكن إعادتهم إلى رُشدهم. في مثل هذه الحالات الصعبة، حيثُ يكون الشبّان على حافة الإجرام، وقد يصل بهم الأمر إلى تعاطي المخدرات وممارسة الزنا، ولا يُمكن الحديث معهم لأنهم - ككل المراهقين- يعتبرون أنفسهم أذكى مَن في الكَون، لم تبقَ إلاّ مِرساة نجاة واحدة؛ هي القرآن الكريم. فأمام سلطة القرآن الكريم وسلطة الله تعالى، لا يجرؤ هؤلاء الشبّان على التمرّد عمومًا. وعليه، يجب استخدام القرآن بصورة واعية مدروسة من أجل إعادة الشبّان الضائعين. يجب منحهم الحبّ والدفء إلى جانب تعليم القرآن الكريم. فلا طائل من التعنيف والتوبيخ - فقد جرّب ذلك الجميع قبل ذلك دون جدوى. في كثير من الأحيان ما ينقص هؤلاء الشبّان هو دفء البيت والوالديْن، لذا تراهم قد تدهوروا ووصلوا إلى ما وصلوا إليه. بإمكان القرآن الكريم والتعاليم الدينيّة السّمحة أن يمنحاهم الدفء الذي يرجونه. ومن شأن القرآن أن يوفّر بذلك أداة علاجية مهمّة جدًّا.