وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُواْ بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُواْ فَرِيقًا مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ
سورۃ البقرة, آيۃ 188
لا تزال ورود في الصف الرابع، لكنها تُعتبَر ، منذ الآن، بنتًا مُشاغِبة وكثيرة المشاكل، تتنازع مع جميع زميلاتها. يشكو طلاب الصف من أنها تأخذ منهم حاجياتهم من دون إذن – أحيانًا تأخذ أقلامًا، وأحيانًا أخرى – طعامًا ومرّة أخرى تأخذ نقودًا. وهي دائما تُنكر ذلك إنكارا مُطلقا.
في أحد دروس التربية البدنية (الرياضة)، عندما كان جميع الأولاد في الملعب، طلبت ورود الذهاب إلى المراحيض ولكنها بدلا من ذلك هرولت إلى الصف. رآها أحد طلاب الصف وهي تنبش حقائب الطلاب فراح وأخبر مربية الصف. كان الطلاب قد بلّغوا في السابق عن اختفاء حاجيات من حقائبهم خلال حصة الرياضة ، لكنّ مربية الصف لم تولِ ذلك اهتمامًا. أمّا الآن فقد وضحت أمامها الصورة.
استدعت المربية ورود لكي تتكلم معها، لكنّ ورود لم تُبالِ، وما كان منها إلاّ أن هزّت كتفيها وقالت بأنها لا تعلم شيئًا عن ذلك. حتى عندما سألتها المربية عن لعبة لأحد الطلاب عُثر عليها معها، ردّت وكأنها لا تعلم عن أي شيء تتكلّم المربية. وعندها، أخرجت المربية المصحف الشريف من حقيبتها وطلبت من ورود أن تقرأ على مهلٍ وبصوت مسموع الآية 188 من سورة البقرة والتي يقول فيها عز وجل: “وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ…”. سألت المربية ورود ما الذي فهمته. اصفرّ، هذه المرة، وجه ورود، وتلعثمت إذ أنها فهمت أنه لا يجوز أن يأكل بعض الناس مال البعض الآخر بسبب باطل كالسرقة والرشوة والغشّ وما شابه. “من هذه اللحظة سنفتح صفحة جديدة”، قالت لها المربية. “نحن جميعًا سامحناك على ما فعلت، لكن بشرط أن لا تقومي بمثل هذه الأعمال بعد اليوم”. نظرت ورود إلى المربية وقالت بهدوء وخجل، “أعدُكم بذلك”.
هناك أسباب عديدة يُمكن أن تجعل الأولاد يسرقون. أحدها أن يشعر الولد أو البنت أنّه ينقصه شيء ما ولا يستطيع الحصول عليه، وأحيانًا تراه يحسد ولدًا آخر يملك شيئا لا يملكه، وفي كثير من الأحيان يكون معهم كلّ شيء، ورغم ذلك يسرقون. هكذا يتمّ القبض، أحيانًا، على أشخاص من الأغنياء وهم يسرقون من السوبرماركت مثلا مع أنهم قادرون على أن يشتوا كل ما يخطر ببالهم. في هذه الحالة الأخيرة، الولد يسرق ليشعر أنه يملك شيئًا، ليس المُنتَج، بل الشعور الطيب الذي يفتقده جدًّا. هؤلاء الأولاد يسرقون ليملأوا فراغهم الداخليّ الذي يشعرون به، وكأنّ الغرض يمثّل الحبّ. هؤلاء الأولاد ينقصهم حبّ الوالديْن، فهم يسرقون ليشعروا بأنهم يملكون وبأنهم حصلوا على شيء. نحن لا نعلم لماذا تسرق ورود، ولكن طالما لم نوقِفها ولم نضع لها حدودًا تردعها، لن يكون بإمكاننا التكلم معها واستيضاح ما يُضايقها ويجعلها تتصرّف بهذه الشكل. حاولت المعلمة أن تتكلم معها، لكن دون جدوى. ورود تُنكر. فهنا، جاءت الآية الكريمة التي تأمر الإنسان بالتصرف باستقامة، وورود تعلم أن الله تعالى يرى ويعلم كلّ شيء. فهي لا تستطيع أن تُحيك لها حكايات كاذبة وأن تتصنّع. فالقرآن الكريم ساعد المربية، إذًا، على أن تضع لورود حدودًا وأن تفرض عليها نظامًا. والآن، فقط، بإمكان المربية أو المستشارة أن تتفرّغا للحديث مع ورود عمّا يُضايقها بالفعل، وأن تحاولا فهم ما الذي جعلها تسرق. فقبل ذلك، من دون القرآن الكريم، ما كان من المُمكن القيام بذلك.