وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا
سورۃ النساء, آيۃ 2
رنين طالبة في الصف السابع، يتيمة تعيش عند عمّها. رنين بنت هادئة وخجولة، لا تتكلّم تقريبًا إلاّ عندما تُسأل. في المدّة الأخير لم تعُد تداوم بشكل منتظم في المدرسة. وعندما تحضر إلى المدرسة تجدها تختلق المبررات لتطلب من مربية الصف أن تسمح لها بالذهاب إلى البيت، بعد حصة واحدة أو حصتيْن. حاولت المربية أن تستوضح منها عدة مرّات أسباب ما آلَت إليه حالها، ولكن رنين كانت تلتزم الصمت دائمًا. وفي المرّة الأخيرة التي توجّهت فيها المربّية إليها، أجهشت رنين بالبكاء، ارتعشت وصمتت. ثمّ حكت لها بصوت مبحوح إن بنات صفّها يسخرنَ منها، ويُخبّئن لها أغراضها، مرّة يُخبّئن حقيبتها ومرّة يُخبّئن كتابها أو دفترها. في الأسبوع الفائت قُمنَ بإلقاء أحد كتبها من النافذة، وعندما نزلت لتستعيده لم تجده، فقد تناوله أحدهم. هذا ما حكته رنين للمربية وكاد البكاء يخنقها ، توقفت قليلا عن الكلام، وتتنهّد ثم تابعت …”إنهم يسرقون أشيائي لأنني يتيمة ولا أحد يحميني…”.
قرّرت المربية أن تعالج الموضوع. استهلّت المربية درس التربية التالي بالآية الثانية من سورة النساء: “وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا“. وتوجّهت إلى الطلاب بالسؤال عن مضمون الآية الكريمة. وانتقلت من هناك، بلا تردّد، إلى الحديث عن ضائقة ومعاناة رنين. أدركت أنه يجب ألاّ تُخبّئ ما يحصل، لأن جميع طلاب الصفّ شركاء في هذه الأعمال. لم تبحث عن مذنبين، بل أرادت أن يتغيّر الوضع في الصفّ بشكل جذريّ، وأن يكون بإمكان رنين أن تشعر بالطمأنينة والأمان في الصفّ مع جميع الطلاب. هدّأت من روع الطلاب ووعدت بأنها لن تُحقّق في أمر مَن قام بهذا العمل أو ذاك، لكنها أوضحت لهم أنّها خجِلة من تصرّفهم هذا. وفعلاً، فمع انتهاء الدرس توجّهت بعضُ البنات إلى رنين وقُلنَ لها إنّهن يُرِدنَ أن يُصبِحْنَ صديقات لها.
من الممكن أن يكون الأولاد، كما هو معروف، قاسين جدًّا. في مثل هذه الحالات يتطلّب الأمر تدخّل شخصٍ بالغ. حسنًا فعلت المربية بأنها لم تبحث عن مذنبين. الكثير من الأولاد اشتركوا في التنكيل برنين، وفرض عقوبات في هذه المرحلة ما كان ليُساعد. المسامحة وفتح صفحة جديدة، بالذات، سيكونان مُجدييْن أكثر. تجد في الكثير من الصفوف أولادًا هم كبش فداء لجميع أبناء الصف، والجميع يُنكّلون بهم. ما يتعرّض له هؤلاء الأولاد من ضرر نفسيّ بالغ جدًّا. يكون الحديث، أحيانًا، عن أولاد يواجهون التنكيل في بيوتهم، أيضًا، وتراهم يدعون طلاب الصف بطرق شتى وغير مباشرة إلى الإساءة إليهم، لأن ذلك هو ما يعرفونه في بيوتهم. الأولاد المُنكِّلون، أيضًا، الذين يُفرّغون إحباطاتهم في أصدقائهم، بحاجة إلى أن توضَع لهم حدود واضحة، ما المسموح وما الممنوع، وأن يقوموا بتوجيههم.