الشيخ موسى أدمني

القرآن الكريم هو المرشد للناس كافة

القرآن الكريم ليس موجها للمسلمين فقط كما يعتقد أحيانًا كثيرة بعض المسلمين وآخرون من غير المسلمين. فهو موجه إلى كل من على استعداد للتمسك بمبادئه وتبني فلسفته. وهؤلاء سيلقون على ذلك خير الجزاء وسيكونون قدوة وأسوة حسنة لغيرهم تتمثل فيهم معاني القرآن الكريم ومثله العليا. وقد ورد في القرآن الكريم قوله تعالى: ” يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ” (سورة يونس،الآية 57). القرآن الكريم يتوجه في هذه الآية الكريمة إلى الجنس البشري قاطبة ويدعوه ويحثه على الإصغاء لتعاليمه التي تشفي الصدور وتهدي إلى النور وتضع المؤمنين في رحمة الله تعالى.

النفس البشرية أمارة ، بطبيعتها ، إلى السوء. ولذلك علينا أن نكون يقظين واعين لقوى الشر الهدامة الكامنة في نفوسنا وأن نتخذ وسائل الوقاية والحذر الملائمة. القرآن الكريم هو الدرع الواقي وهو الدواء الشافي لأمراضنا. إننا قادرون كأفراد وكجماعات أيضًا على تحقيق انجازات مؤثّرة وأن نحطم الأرقام القياسية في العالم المادي لأنّ الله منحنا قوى عقلية قادرة على التعلّم وتطبيق ما توصلنا إليه من معارف وتجارب. ولكننا فشلنا في تطبيق تلك المعرفة لبناء الذات وابتعدنا عن تحمل أي مسئولية. أحيانًا، عندما نكون نحن أنفسنا مصدر المشكلة يصعب علينا تشخيصها وعندها نميل إلى البحث عن مبررات وبكل سهولة نتّهم الغير ونسارع إلى معاقبته. القلائل فقط يستطيعون تحمّل المسئولية وتصحيح الخلل. إن تحمل المسئولية يحتاج إلى جرأة ونضوج وقدرة على التعالي على الطبيعة السلبية للإنسان.

يشرح القرآن الكريم والكتب السماوية المقدسة التي سبقته بالتفصيل موضوع بناء الذات وقدرة الفرد على تحمّل المسئولية. الشخصية الايجابية والمسئولة تبنى ليس من أجل تحقيق التفوق على الغير. بل على العكس هذه الشخصية تبنى عن طريق التنازل عن التفوق وعن المكانة اللذين اكتسبهما الفرد بحكم كونه أبا أو أخا أو كمن حظي بالتقدير على انجازاته. هذا التنازل يأتي لصالح الحقيقة والعدالة والرأفة والتقدير والتراضي واعتبار الآخر حتى وإن كان لا يستلطفني وما شابه. ولكننا نحاول أن نكون لطيفين مع من حولنا وبشكل عام من وجهة نظرنا وليس من وجهة نظرهم. ثم يأتي القرآن الكريم ويقترح علينا أن نكون ممثلي العدل وحُماته حتى وإن كان في غير صالحنا أو صالح ذوينا أو أقاربنا. من السهل أن نعظ الآخرين بذلك ومن الصعب تطبيق ذلك عندما يكون الحديث عنا أنفسنا أو عن ذوينا وأقاربنا. يعلّمنا القرآن الكريم بأنَّ حب الجنس البشري شيء والأنانية شيء آخر مختلف.

نعلم أن كل إنسان يتحمل مسئولية أعماله. ولكن هل الإنسان مسئول أيضًا عن أحاسيسه ومشاعره ودوافعه؟ الجواب الذي لا جواب غيره هو نعم! القوانين الخارجية لا تساعد في مثل هذه الحالات. علينا أن نشغّل المنبه الداخلي الموجود فينا لكي ينبهنا ويحذرنا أمام الخطر عندما ننحرف عن إلى سلوك غير لائق قبل فوات الأوان. يجب أن نتذكّر أن انتصار الإنسان سيتحقق في اللحظة التي يتوقف فيها عن استعمال معلوماته كوسيلة لتحقيق الربح والتفوق على الغير. المعرفة يجب أن تستغل في الإرشاد في مجالات كثيرة وخاصة بما يتعلق بمشاعرنا الداخلية والحميمية. عند ذلك وفقط عند ذلك يمكننا أن نعلن عن انتصارنا. وحتى يتحقق ذلك علينا أن نواصل في الكفاح ضد أنفسنا، علينا أن نركز وأن نمنح اهتمامنا للصفات الايجابية وأن نتعلم كيف نسد الطريق أمام برامجنا السلبية. يورد لنا القرآن الكريم قائمة بالصفات السلبية التي يستطيع كل إنسان أن يشخصها. إن تاريخ العصر الحديث يوفر لنا الأسباب الكثيرة للاعتزاز والتي علينا أن نواصل تحسينها وتطويرها. ولكن هي أيضًا التي أثارت الجوانب المظلمة التي بداخلنا والتي علينا أن نحذر منها.

واراني ملزما بأن أعترف أمامكم بأنه مع أنني طالب للقرآن الكريم منذ عشرين سنة أعجبت إعجابا شديدا ببحثه هذا. إنّ هذا الكتاب دليل قاطع على صحة التصريح بأنَّ القرآن الكريم هو مرشد لجميع أبناء الجنس البشري قاطبة. يظهر الكتاب بشكل قاطع لا لبس فيه كيف يمكننا أن نحلّ الكثير من المسائل العويصة والمشكلات المستعصية لكثير من الناس بواسطة القرآن الكريم.

إليكم قائمة جزئية بالصفات البشرية السلبية: يميل الناس إلى العجلة، والى الظلم، والجهل، والشرّ، والى النزاعات والتشاؤم. على الرغم من نقاط الضعف هذه فان البشر هم رسل الله على الأرض. وقد منحهم الله هذه المكانة بالذات لأنهم قادرون على التغلب على هذه العوائق بواسطة المعرفة والإيمان والأعمال الطيبة. لا يمكننا أن نتصرف كما تصرف إخوة يوسف عليه السلام الذين أفقدتهم الغيرة رشدهم وجعلتهم يقومون ببيع أخيهم. علينا أن نتصرف مثل النبي أيوب عليه السلام والذي مع انه فقد كل شيء لم يسمح لليأس بأنَّ ينتصر عليه. علينا أن نتصرف مثل يوسف عليه السلام الذي لم يضيّع وقته سدى ولم يغرق في حزن على ما فعله به إخوته بل ساعد المصريين في صراع البقاء والانتصار على المحل الذي أصابهم في فترة المجاعة.

هذه الأمور كلها تذكّرنا بأنَّ مشكلتنا قديمة جدا. الحاجة إلى التوازن بين شهواتنا وبين حاجات الغير تتطلّب منا تطرقا متواصلا وتربية مستمرة ومتّصلة. علينا تحسين وتطوير معلوماتنا بما فيها تلك المعلومات الخاصة بتطوير الشخصية لكي لا نكون عبيدا لثقافتنا وتاريخنا وتقاليدنا. لكي نفهم مدلول حياتنا ونسعى من اجل حياة أفضل لنا جميعا ونترك وراءنا عالما في حالة أفضل من الحالة التي كان عليها عندما تسلمناه. بما أننا مخلوقات لله عز وجل لذلك علينا أن نساعد بعضنا على حمل أعباء الحياة وأن نذكّر بعضنا بضرورة الاهتمام بالغير وأن نفعل الخير.

لقد تشرفت بلقاء الدكتور عوفر غروزبارد وأن أطّلع على أجزاء من بحثه وأن أعجب بها. عندما طلب مني عوفر أن اكتب مقدمة لكتابه الرائع في معالجة المشاكل الإنسانية بواسطة القرآن الكريم رأيت في ذلك تشريفا كبيرا لي. واراني ملزما بأن أعترف أمامكم بأنه مع أنني طالب للقرآن الكريم منذ عشرين سنة أعجبت إعجابا شديدا ببحثه هذا. إنّ هذا الكتاب دليل قاطع على صحة التصريح بأنَّ القرآن الكريم هو مرشد لجميع أبناء الجنس البشري قاطبة. يظهر الكتاب بشكل قاطع لا لبس فيه كيف يمكننا أن نحلّ الكثير من المسائل العويصة والمشكلات المستعصية لكثير من الناس بواسطة القرآن الكريم. على سبيل المثال عندما نقول لشخص ما بواسطة أية من القرآن الكريم بأنه لا يتوجّب عليه أن يشعر بالذنب في الأشياء التي لا يملك السيطرة عليها فهو يتخلّص من كآبته. في حالة أخرى حدث تحسّن كبير بعد أن قيل للوالدين عن طريق أية من القرآن الكريم بأنَّ أبناءهم بحاجة إلى درجة معينة من الحرية وانه يجب على الوالدين احترام قرارات الأبناء. هذه كلها ما هي إلا نماذج جلية واضحة وثابتة تعلمنا كيف يمكن لدراسة القرآن الكريم أن تحسن أحوال الجنس البشري. وإنني لأدعو الله عز وجل أن يخرج من يقرأ هذا الكتاب مستفيدا وأن يستعمل هذا الكم الهائل من المعلومات التي يقدمها هذا الكتاب. كما أوصي كل طالب يتعلم القرآن الكريم – بغض النظر عن دينه ومعتقداته أو ثقافته – أن يقرأ هذا الكتاب.

سأختم كلامي بسورة “العصر ” : ” وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ “. البحث المتواصل عن الحقيقة والتسامح والإيمان والعمل الصحيح هو الذي سيبعدنا عن الضياع وعما يتبع الضياع من فقدان الأمل.

الشيخ موسى أدمني

إمام جامعة “متروبولين”، لندن
رئيس معهد “لقمان” للتطوّر والتربية

Skip to content