الطفل له حقوق قبل أن يولد، فمن ضمن حقوقه التي تعينه على العيش في جو حسن أن يكون الزوجان قد تزوجا عن رضا وحب واحترام متبادل، ولعل من حقه أيضا استقرار الحياة الإقتصادية في البيت، وقبل ميلاده له حق في التركة، وبعد ميلاده فمن حقه أن يرضع من أمه إلا عند الضرورة القصوى، وإذا بدأ يحبو فإن العناية به تبدأ بالتطور الى آفاق جديدة وفهم جديد لتصرفات الطفل.
فمثلا نراه يستثمر طاقته أحيانا حتى في التخريب وفي العبث بأدوات المنزل، في وعندما يسمع منا التأنيب فإنه يَعجب لعالم الكبار الذي لا يتركه فيما هو فيه ولا يتذكرونه إلا عند النوم أو الأكل أو الشرب أو اللبس، ولعل الشقاوة التي ينتهجها الأطفال هي أسلوب من أساليب التعبير عن وجودهم ولفت الأنظار إليهم، ولعل ما يقومون به من الشقاوة هو تعبير عن الملل الذي يشعرون به بسبب أوقات الفراغ الكثيرة التي تحيط بالطفل، وهنا لا بد من تذكير الوالدين من جلب بعض الألعاب المتنوعة (نعم المتنوعة) للطفل حتى ينشغل بها ويشغل بها وقته، ويجب أن يتذكر الوالدان أن الغاية من تربية أبنائهم هي إرضاء الله وأخذ الأجر والمثوبة، إلا أن مفهوم التربية أصبح عند الآباء مجرد رعاية (كرعاية الدواجن وغيرها بالأكل والشرب) فالتربية غير الرعاية كما تحدث عن ذلك المتخصصون في هذا الشأن.
فالرعاية أكل وشرب ولباس أما التربية فهي غرس القيم والأخلاق ومبادئ الدين الصحيح عند الطفل منذ نعومة أظفاره، ولا يجوز أن يستهين الوالدان من بأهمية هذه التربية في المرحلة المبكرة من حياة الطفل وإلا كان الندم.
وقد قرأت تجربة الأخت بشرى والمادة التي أرسلتها إلي فوجدتها تجربة جيدة يمكن البناء عليها،
وغالبا ما يكون الطفل في مرحلة ما قبل المدرسة كثير التساؤل يرغب في التعرف على كل ما يحيط به، فيكون أحيانا كثير الجدال إلا أنه يستطيع التفرقة بين الصواب والخطأ والخير والشر، لذلك يمكن بناء شخصية الطفل في هذه المرحلة من جميع النواحي تقريبا (الإيمانية، العلمية، الثقافية، السلوكية، الاجتماعية، النفسية، العاطفية، وتنمية الذوق والجمال والإبداع لديه)، وهذا ما جعل الأستاذ أحمد سليمان في كتابه – الطفل المسلم في ضوء الكتاب والسنة – يقول بإمكانية تثقيف الطفل في المراحل المبكرة تربية فيها الاستجابة لأمر الله قال تعالى: ( قوا أنفسكم وأهليكم ناراً)، ويمكن تفهيمه معنى (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وكذلك يمكن تعميق قيم الإيمان عنده كما فعل النبي مع ابن عباس وهو طفل راكب خلف النبي صلى الله عليه وسلم على وهذه هي رواية ابن عباس حيث قال: كنت خلف النبي صلى الله عليه وسلم يوما، فقال: ( يا غلام ، إني أُعلمك كلمات : احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سأَلت فاسأَل الله ، وإذا استعنت فاستعن بالله ، واعلم أن الأُمة لو اجتمعت على أَن ينفعـوك بشيء ، لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، وإن اجتمعوا على أن يضروك بشيء ، لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف ) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح..وفي رواية الإمام أحمد : ( احفظ الله تجده أَمامك، تعرف إلى الله في الرخاء يعرفك فـي الشدة، واعلم أَن ما أَخطأَك لم يكن ليصيبك، وما أَصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أَن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسرِ يسرا )، وهذا يعمق عنده المعنى بأن الله يراه ويسمعه وهو معه، وتعميق حب الرسول صلى الله عليه وسلم في قلبه بتعليمه بعض القصص النبوية، ويمكن أن يزيد انتباه الطفل إذا قدمنا له بعض المكافآت بين الحين والآخر، كمنحه مكافأة على حفظ القرآن والمداومة على الأذكار وكتابة الدروس .. وهكذا…ولا بد من ًبناء الأبناء خلقياً وسلوكياً وأدبياً بالقدوة الحسنة للوالدين، واستعمال العبارات المهذبة أمامه ومعه وبخاصة عند الغضب، والوفاء بما وعدتموه به، ولا بأس من اصطحابه لمجالس الكبار إذا كانت مهذبة، وتعويده قول السلام عليكم إذا دخل أو خرج، وتعويده الاستئذان في كل شيء، وتربيته على قضاء حاجات الأسرة، واصطحابه في زيارة الأقارب والجلوس عندهم فترات كافية، تعويده الرفق بالحيوانات الأليفة والطيور، وتعليمه النفور من الحشرات الضارة ، واصطحابه أحيانا للمسجد ليحبه ويرتبط به ويرى الغرباء عن والديه، وحسن اختيار الأصحاب من الحي، و بد من التعرف على نفسية الطفل ومتطلباتها في كل مرحلة، ولا بد من احترام الطفل وعدم إهانته وبخاصة أمام الناس صغاراً كانوا أو كباراً، وحسن الاستماع إليه وإشعاره بأهمية ما يقول، وتوجيهه برفق وعلى انفراد إذا أخطأ، ومشاركته في اللعب والجلوس معه، وحسن استقباله وتوديعه وتعويده على ذلك، الحرص على إسعاد الطفل قبل النوم خاصة، وتجنيبه المشاهد والأصوات المخيفة، الانتباه إلى خطورة دوام العقاب البدني التهديد بالعقاب، ولا بد من بناء الطفل صحياً وجسديا وتعويده على أداء تمارين رياضية خفيفة، وتعريضه للشمس يومياً، ولا بد من بناء الطفل فنياً وجمالياً وذوقياً وإبداعيا بحيث نعوده على تجميل غرفته وتزيينها، والاهتمام بجمال أدواته الخاصة به، وتوفير ألوان وكراسات تلوين وورق وغير ذلك، ثم ترك الحرية له ليفعل ما يشاء تحت إشراف الوالدين، توفير الألعاب التي تعتمد على الفك والتركيب والبناء والهدم وغيرها، وفي هذا الصدد يذكرنا (البروفيسور ليز اليوت العامل بجامعة شيكاغو) أن الطفل حينما يلعب ويفكر فان كل خلايا دماغه تنشط وتتجدد وتصبح بالتالي أكثر تفاعلا للنمو وبالتالي تصبح خلاياه متجددة ونشطة كلما ازداد نوع اللعب المطلوب، وإذا أردنا أن نستمر في هذا الموضوع فإن الأمر يطول وتصبح عندنا دراسة كاملة، وليس هذا هو هدفنا الآن وإنما أردت التقديم بشيء علمي اتفق عليه العلماء المهتمون بالطفولة.
وقد قرأت تجربة الأخت بشرى والمادة التي أرسلتها إلي فوجدتها تجربة جيدة يمكن البناء عليها، إلا أنني أنصح أن لا تتوسعي في شرح الآيات وخاصة عندما تكون الآية فيها عقائد، وعلى كل حال فهي تجربة جيدة وأرجو الله تعالى لك ولمن معك التوفيق والسداد، وأن تقتربي من الدراسات الإسلامية أكثر حتى تشاهدي بعيني عقلك عظمة الإسلام في التربية والرعاية معا وليس الرعاية فقط ، فالرعاية يشترك فيها الإنسان وغيره وتحكمها القاعدة النبوية (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته)، أما التربية فتختص بالإنسان الذي هو أكرم مخلوق خلقه الله تعالى وسخر له كل ما في السماوات والأرض، قال تعالى : ( ولقد كرمنا بني آدم ) وقال جل جلاله : (وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض جميعا منه).
أسأل الله تعالى لك التوفيق والنجاح ودوام التفقه في الدين والعلم والقدرة الدائمة على البحث العلمي الجاد والنافع .
والله غالب على أمره.
الشيخ عبدالله نمر درويش مؤسس الحركة الإسلامية.